المسار النظيف لنموذج جديد للعولمة:
حان الوقت لواقعية شبكة الجيل الخامس(5G) الأوروبية
المقال تم نشره في “الدايلي تلغراف” بتاريخ 16/07/2020م.
هذا العام سيدخل التاريخ باعتباره وقت صراع وعواقب عظيمة. إن معركتنا ضد الوباء هي مسعى إنساني بطولي، لكننا بحاجة إلى تهيئة أنفسنا لمعركة أكثر أهمية في الأشهر المقبلة – حول شكل اقتصادنا في فترة ما بعد كوفيد.
تتفق جميع الحكومات تقريبا على أنه من الضروري تعزيز التنمية، وإنقاذ مواطنينا من البطالة، وإنقاذ الشركات من الإفلاس من خلال التحفيز الاقتصادي. ولكن يجب أن تأخذ تدابير مكافحة الركود الاقتصادي في الاعتبار القلق الطويل الأمد لمنع تكرار التبعية الاقتصادية على شركاء غير موثوق بهم.
لقد جعلنا الوباء ندرك بشكل مؤلم مدى أهمية وجود خطوط إنتاج آمنة خاصة بنا للأدوية، المعدات الطبية والمختبرات. وينطبق الشيء نفسه على قرارات شبكة الجيل الخامس(5G) . إن تجاهل الحاجة إلى تأمين تكنولوجيتنا الحيوية سيكون خطأ يدفع الأوروبيون ثمناً باهظاً له.
يجب أن يكون الأمن القومي جزء لا يتجزأ من تفكيرنا بشأن العولمة. لا أحد يريد بناء جدران جديدة بين الدول، لكننا نرى أيضا أن العولمة الخالية من السيطرة الديمقراطية يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة. اليوم، يواجه عالمنا المعولم تأثيرا لا مبرر له من الدول الاستبدادية – على حساب أوروبا.
لا يجب أن يدفعنا الوعي بالعيوب في العالم إلى الابتعاد عن عالم مترابط، بل يدفعنا إلى جعله أفضل وأكثر حرية. إن العالم المعولم المسيطره عليه الديمقراطية والمسؤولية الاجتماعية، يستجيب لمتطلبات سيادة أوروبا وأمنها، هو الحل لهذه المخاطر.
في الاتحاد الأوروبي، سيتم تحديد ازدهارنا ومكانتنا في نظام سلسلة التوريد العالمية إلى حد كبير من خلال البنية التحتية الحديثة للاتصالات. مثلما غير محرك السيارات الطريقة التي انتقل بها الناس في القرن العشرين، ستغير شبكة الجيل الخامس حركة المعلومات المهمة في مجتمعنا. إن نقل البيانات مع النطاق العريض المتنقل المحسّن، والاتصالات ذات الكمون المنخفض الموثوق للغاية، والقدرة على توصيل أجهزة متعددة سيسرع من عمل الاتصالات – والاقتصاد ككل – إلى حد لا مثيل له.
ولكي تخدم هذه التكنولوجيا أغراضاً جيدة، يجب أن يستند تنفيذها إلى الثقة والسيطرة الديمقراطية. خلاف ذلك، فإننا نخاطر بأن أزمة اليوم لن تكون سوى مقدمة لما ينتظرنا إذا سيطر كيان غير مصرح به على شبكات الجيل الخامس وسلاسل التوريد. لا يمكننا أن نقع في أيدي الجرائم الإلكترونية الخاصة أو المملوكة للدولة.
بالنسبة لبولندا، يجب أن نضمن أننا نحمي أنفسنا من المخاطر ونقاط الضعف التي تنشأ عن التقدم في شبكات الجيل الخامس. نحن ملتزمون بنظام شبكة الجيل الخامس البيئي المبني على الثقة، وهو الأساس الذي يقوم عليه أي نظام يحمل أكثر المعلومات الخاصة لمواطنينا وثمار الملكية الفكرية الخاصة بنا.
عند بناء هذا النظام البيئي، نواجه سؤالاً واحداً: بمن نثق؟ الخيارات واضحة: في أوروبا، لدينا بائعان أوروبيان موثوقان، كلاهما شركات عالمية ذات ممارسات تجارية شفافة تستند إلى سيادة القانون. على الجانب الآخر شركتان يسيطر عليهما نظام استبدادي. يعد الأمن التكنولوجي، مثله مثل الأمن الوبائي، فهو بعداً حاسماً للأمن القومي. الدول يجب أن تكون قادرة في السيطرة على موردي التكنولوجيا لضمان السلامة، وهذا هو السبب في أنها يجب أن تكون من الدول التي تحترم قيمنا الأساسية: الديمقراطية، الشفافية، حقوق الإنسان وسيادة القانون. وإلا فإن سيطرتنا عليهم ستكون وهمية، ولن تكون مسؤولية الأمن محددة بدقة.
لقد حقق تحالفنا مع الولايات المتحدة الرخاء والسلام في أوروبا الغربية بعد الحرب، وحتى يومنا هذا يجلب الأمن لجميع القارات تقريبا. تعتقد حكومتي أن أوروبا بحاجة إلى مواصلة هذا التحالف في البعد التكنولوجي، خاصة عندما يتعلق الأمر ببناء شبكات الجيل الخامس الخاصة بنا. ستكون هذه الشبكة منتشرة في كل مكان قريبا، ويجب أن نحافظ عليها آمنة بأي ثمن. للقيام بذلك، يجب على جميع رجال الأعمال الأوروبيين الحفاظ على خطوط إنتاج نظيفة، خالية من التجسس الصناعي المحتمل، وآمنة من الهجمات التي يمكن أن تعوق عملياتهم وتضر بالاقتصاد بأكمله.
الواقعية في الأمن القومي أساسية لبناء نموذج عادل للعولمة يثق به مواطنونا. بدون هذه الثقة، قد لا تتعثر أسس الاقتصاد العالمي فحسب، بل تنهار. ندعو جميع الدول والشركات، وخاصة جيراننا الأوروبيين، إلى اعتماد مسار نظيف للتدابير الوطنية القوية لتأمين شبكات الجيل الخامس الخاصة بهم. تماما كما هو الحال في الأمن الوبائي، فإن الواقعية في الحماية التكنولوجية ضرورية للحفاظ على القواعد الاقتصادية للعبة على المدى الطويل التي تخدمنا وتنقذنا جميعا.
ماتيوش مورافيسكي – رئيس وزراء بولندا
